أ أ
حقل التحقيق
طريقة البحث في هذا الحقل(1)
بَيَّنَ العلماءُ طريقة تحقيق كتب العلماء(2)، ويمكن تلخيص عمل الباحث بحسب المراحل الآتية:
أولًا: اختيار المخطوط:
وهنا ينبغي على الباحث اختيار المخطوط الذي يكون ذا قيمة علمية، حيث إن نشر المخطوطات ليس مرادًا لذاته، بل لخدمة العلم الذي ألف فيه، فإن لم يكن في المخطوط إضافة علمية، فليس ثمة جدوى كبيرة من تحقيقه، وصرف الجهد في غيره أولى.
ثانيًا: جمع النسخ:
وهنا ينبغي على المحقق أن يجمع النسخ الخطية للكتاب الذي يريد تحقيقه، وذلك بالرجوع إلى المصادر الآتية:
- الكتب التي عنيت بذكر المخطوطات، مثل:
- كتاب تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان (1868- 1956م)، وذيوله.
- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين (ت:1439هـ).
- نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا لرمضان ششن.
- فهارس المكتبات التي بها مخطوطات عربية.
- سؤال أهل العلم الخبراء بالمخطوطات.
- مصادر المعلومات الحديثة كمواقع الشبكة العالمية، وإصدارات المكتبات من كتب، وأقراص تحوي على فهارس المخطوطات.
وينبغي للباحث دراسة النسخ المخطوطة للكتاب قبل جمعها، عن طريق وصف الفهارس لها، وتصوير ما لم تذكره الفهارس، واختيار النسخ التي يحتاج إليها، فقد يرى أن بعض تلك النسخ لا داعي للحصول عليها، ويكفي عنها غيرها.
ثالثًا: ترتيب النسخ:
يكون ترتيب النسخ الخطية للكتاب بحسب المعايير الآتية:
- قدم النسخة.
- أهمية الناسخ.
- كمال النسخة.
ويكون ترتيب النسخ الخطية للكتاب الواحد من حيث علو الدرجة على النحو الآتي:
- النسخة التي بخط المؤلف، وهي أعلى النسخ على الإطلاق، وهي الأم.
- النسخة المقروءة على المؤلف، أو قرأها.
- النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف، أو المقابلة بنسخته.
- النسخة التي كتبت في حياة المؤلف: وتعرف بتاريخ النسخة، أو من عبارة الناسخ عن مؤلفها، كأن يقول عقب اسمه: (أطال الله عمره) أو أمثالها من العبارات، وتقدم النسخة التي عليها سماعات مما كتب في عصره.
- النسخ التي كتبت بعد عصر المؤلف، وفي هذه النسخ يُفضل الأقدم على المتأخر، والتي كتبها عالمٌ، أو قُرئت على عالم(3).
رابعًا: المقابلة بين النسخ:
بعد جمع النسخ الخطية للمؤلف، يبدأ الباحث بنسخ المخطوط، وكتابته، ومقابلة النسخ.
ولعلماء التحقيق طريقتان، وهما:
الأولى: اعتماد أصل واحد، ومقارنة غيره به، مع إثبات الفروقات في الحاشية.
الثانية:أسلوب التلفيق: وهو إثبات ما يراه المحقق صوابًا من النسخ الخطية عند الاختلاف، والإشارة إلى بقية الاختلافات في الحاشية.
والأسلوب الأول هو الأفضل، والله أعلم.
خامسًا: التحقيق:
1- تحقيق عنوان الكتاب، ويكون ذلك بالطرق الآتية:
* الرجوع إلى كتب المؤلفات: كالفهرست للنديم، والإعلان بالتوبيخ للسخاوي (ت:902هـ)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (ت:1067هـ)، ومن الكتب المعاصرة الأعلام للزركلي (ت:1396هـ)، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (ت:1408هـ).
* الرجوع إلى كتب التراجم التي ترجمت للمؤلف، فقد تذكر عنوان هذا الكتاب ضمن مؤلفاته.
* الوقوف على نص داخل الكتاب، أو في كتب أخرى تفيد اسم الكتاب(4).
* الرجوع إلى كتب المؤلف الأخرى، فربما ذكر عنوان هذا الكتاب داخلها.
* الرجوع للكتب التي عرضت لبعض الكتب من خلال حديثها عن فن من الفنون، مثل: مقدمة المخصص لابن سيده (ت:458هـ)، ومقدمة شرح الشواهد الكبرى للعيني (ت:855هـ)، ومقدمة شرح شواهد المغني للسيوطي (ت:911هـ)، ومقدمة خزانة الأدب للبغدادي (ت:1093هـ)، وإقليد الخزانة للميمني (ت:1398هـ)، وغيرها.

2- تحقيق اسم المؤلف: ويكون ذلك بالطرق الآتية:
* أن يُذكر ذلك في مقدمة الكتاب، أو خاتمته.
* أن يذكر العلماء اسم مؤلف المخطوط.
ويستعان بما يأتي في الفقرة الآتية:
3- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه: ويكون ذلك بالطرق الآتية:
* أن يُذكر ذلك في مقدمة الكتاب، أو خاتمته.
* أن يذكر المؤلف كتابه هذا في أحد كتبه الأخرى.
* أن يذكر المؤلف في هذا المخطوط كتبًا أخرى له، فيستدل بها على اسمه.
* تصريح عدد من العلماء بنسبة الكتاب إلى هذا المؤلف.
* تصريح مَن نقل من الكتاب من العلماء باسم مؤلفه.
* أسلوب المؤلف بحيث يكون المخطوط متفقًا مع أسلوب المؤلف في كتبه الأخرى، وهي قرينة وليست دليلًا أصليًا.
* ما يذكر على الغلاف، مع الحذر بأن عددًا من المخطوطات يكتب عليها أسماء مؤلفات، أو مؤلفين، ويكون ذلك خطأ.

4- تحقيق متن الكتاب بحيث يظهر كما أراده مؤلِّفُه:
وذلك بقراءة المخطوط قراءة صحيحة وكتابته كما أراد مؤلفه، مع إثبات الفروق بين النسخ في الحاشية، ويستعين على ذلك بما يأتي:
* مراجعة كتب المؤلف، ومراجعة مصادره التي استقى منها الكتاب، حتى يتم ضبط النص كما أراده المؤلف بعيدًا عن التحريف والتصحيف من النساخ.
* الرجوع إلى المؤلفات المماثلة للمخطوط، لفهم كلام المؤلف، وقراءته على الوجه الصحيح عند الالتباس.
* الرجوع إلى الكتب التي نقلت عن المخطوط والشروح والحواشي، مع الحذر من النقص أو الخطأ في النقل في مثل هذه المظان أحيانًا.

5- خدمة النص: وذلك بعمل الآتي:
* عزو الآيات القرآنية.
* عزو القراءات القرآنية.
* تخريج الأحاديث والآثار المروية.
* التعريف بالأعلام.
* التعريف بالأماكن.
* التعريف بالفرق والمذاهب.
* عزو الأبيات الشعرية إلى قائليها من الدواوين المعتمدة.
* تخريج الأقوال والنصوص والنقول، وعزوها إلى مصادرها.
* شرح الكلمات الغريبة، والمصطلحات العلمية.
* دراسة تعليقات العلماء على المخطوط، وإثبات التعليقات العلمية المهمة.
* إذا وُجد بياض في المخطوط، ولا يوجد بيان له في أي نسخة؛ توضع مكانه نقط هكذا (...) ويوضح ذلك في الحاشية.
* ضبط ما يُشكل من الكلمات.
* التعريف بالكتب التي وردت في المخطوط.
* وضع علامات الترقيم في مواضعها.
* مناقشة المسائل المذكورة باختصار.

6- مكملات التحقيق، وهي:
* المقدمة، ويذكر فيها:
- ترجمة المؤلِّف.
- بيان أهمية الكتاب، وقيمته العلمية.
- توثيق نسبة الكتاب للمؤلف.
- وصف النسخ الخطية.
- بيان منهج التحقيق.
* الفهارس، وهي:
- فهرس الآيات القرآنية.
- فهرس القراءات القرآنية.
- فهرس الأحاديث النبوية.
- فهرس الآثار.
- فهرس الأشعار.
- فهرس الكلمات الغريبة، والمصطلحات العلمية.
- فهرس الأعلام.
- فهرس الأمم والقبائل.
- فهرس الفرق والأديان.
- فهرس الأماكن والبلدان.
- فهرس الكتب الواردة في النص.
- ثبت المصادر والمراجع.
- فهرس الموضوعات.
ويكون الترتيب داخل الفهارس بحسب حروف المعجم، إلا فهرس الآيات القرآنية فيرتب بحسب ترتيب المصحف الشريف، بحيث تذكر السورة، ثم يذكر ما تحتها من الآيات، مرتبة بحسب ورودها في السورة.
وينبغي الانتباه إلى ما يأتي عند التحقيق:
أ- لا تصح الزيادة، ولا النقص من نص المؤلف.
ب- يثبت النص كما كتبه المؤلف بلا تعديل، وينبه على الأخطاء في الحاشية، إلا إن كان الخطأ في نص القرآن فإنه يثبت الصواب في المتن، ويذكر الخطأ في الحاشية، مع الانتباه إلى القراءات القرآنية، وإمكان كون المذكور إحدى تلك القراءات.
ج- أن التحقيق لا يعني شرح الكتاب، وإثقال الحواشي بكثرة التعليقات.
(1) انظر للتوسع في ذلك الكتب الآتية: تحقيق النصوص ونشرها لعبد السلام هارون، وقواعد تحقيق التراث لصلاح الدين المنجد، ومناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين لرمضان عبدالتواب، ومناهج البحث وتحقيق التراث لأكرم ضياء العمري، وتحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل لعبد الله عسيلان.
(2) لعل أول كتاب ظهر مطبوعًا باللغة العربية في الموضوع؛ هو كتاب تحقيق النصوص ونشرها عبدالسلام هارون حيث طبع في القاهرة سنة (1954م).
(3) لعل أول كتاب ظهر مطبوعًا باللغة العربية في الموضوع؛ هو كتاب تحقيق النصوص ونشرها عبدالسلام هارون حيث طبع في القاهرة سنة (1954م).
(4) ينبغي التنبه إلى عدم الاعتماد دائمًا على العنوان المكتوب على غلاف المخطوط نظرًا لوجود تزييف في أسماء بعض المخطوطات لأسباب مختلفة كترويج الكتاب بوضع اسم كتاب آخر معروف، أو مطاوعة أحد جماعي الكتب، أو للجهل. انظر: تحقيق النصوص ونشرها: (43).