أ أ
حقل الاستدراكات
تمهيد
تهدف الدراسات هنا إلى دراسة جهود العلماء فيما يستدركونه على بعضهم، سواءً كان ذلك الاستدراك إصلاحَ خطأ، أو تكميلَ نقصٍ، أو إزالةَ لبسٍ وغموضٍ لدى مفسر ما.
والاستدراك علمٌ قديمٌ عند علماء الإسلام، ألَّف فيه كثيرٌ من العلماء في شتى العلوم، ومن أشهر تلك المؤلفات في كتب الحديث: المستدرك على الصحيحين للحاكم (ت:405هـ)(1)، والمستدرك على الصحيحين للهروي (ت:434هـ)، والمستدرك على كتاب الإكمال لابن ماكولا (ت:447هـ) لابن نقطة (ت:629هـ)، والمستدرك على مستدرك الحاكم (ت:405هـ) للذهبي (ت:748هـ).
ويدخل في ذلك كتب الذيول: ككتاب ذيل ميزان الاعتدال للعراقي (ت:804هـ)، وكتب النكت: كالنكت على كتاب ابن الصلاح (ت: 643هـ) لابن حجر (ت:852هـ).
واستعمله المفسرون كثيرًا، خاصةً في كتب الحواشي على كتب التفسير(2)، مثل: الحواشي على أنوار التنزيل للبيضاوي (ت:685هـ)، وهي كثيرة جدًا، والحواشي على الكشاف للزمخشري (ت:538هـ) وهي كثيرة أيضًا، والحواشي على تفسير الجلالين، وقد قال ابن جزي الكلبي (ت:741هـ) في هذه الظاهرة في التفسير في ضمن حديثه عن طبقات المفسرين: «وقد استدرك الناس على بعضهم»(3).
وهو أحد مقاصد التأليف السبعة التي ذكرها العلماء(4)، قال ابن خلدون (ت:808هـ) في مقاصد التأليف:
«وثالثها: أن يعثر المتأخرُ على غلط، أو خطأ في كلام المتقدّمين ممّن اشتهر فضلُه وبَعُدَ في الإفادة صيتُه، ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الّذي لا مدخل للشكّ فيه، فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده؛ إذ قد تعذّر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار، وشهرة المؤلِّف ووثوق الناس بمعارفه، فيودع ذلك الكتاب ليقف على بيان ذلك.
ورابعها: أن يكون الفنُّ الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه، فيقصد المطّلع على ذلك أن يتمّم ما نقص من تلك المسائل؛ ليكمل الفنُّ بكمال مسائله وفصوله، ولا يبقى للنقص فيه مجال»(5).
وهذه كلها داخلة في الاستدراك الذي نبحث فيه في هذا الحقل.
ومع كثرة الدراسات في هذا الحقل، إلا أنه بحاجة إلى دراسة تأصيلية؛ لبيان تاريخه، ومنهج علماء التفسير فيه، وأبرز الصيغ التي استعملوها فيه، وبيان تصنيف القضايا التي استدركوها، فليت أحد الباحثين يدرس في حقل التأصيل موضوعَ: (الاستدراك التفسيري دراسة تأصيلية تطبيقية) في رسالة علمية(6)، كما دُرس في علوم أخرى، على غرار: رسالة (الاستدراك الأصولي دراسة تأصيلية تطبيقية على المصنفات الأصولية من القرن الثالث إلى القرن الرابع الهجري)(7)، ورسالة (الاستدراك الفقهي تأصيلًا وتطبيقًا)(8)، فهو موضوع قيم جدًا لو حسن بحثه وتأصيله.
(1) يفرق علماءُ الحديث بين المستدرك والمستخرج، فأما المستدرك فهو: «جمع الأحاديث التي تكون على شرط أحد المصنفين ولم يخرجها في كتابه». وأما المستخرج فهو: «أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب؛ فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه». انظر: معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح: (22)، وفتح المغيث للسخاوي: (1/ 57)، وتدريب الراوي للسيوطي: (1 / 117).
(2) فكتب التفسير حافلة باستدراكات كثيرة، قد جمع عدد منها في رسائل في هذا الحقل، وقد بين علماءُ التفسير أنهم معنيون بالاستدراكات ممارسون وناقلون لها، قال ابن عطية: «وأما أبو بكر النقاش، وأبو جعفر النحاس، فكثيرًا ما استدرك الناس عليهما، وعلى سننهما مكي بن أبي طالب ... وكلهم مجتهد مأجور X، ونضر وجوههم». المحرر الوجيز: (20).
(3) التسهيل لعلوم التنزيل: (12).
(4) ذكرها ابن خلدون في مقدمته: (3/ 1105)، وانظر: كشف الظنون: (38)، وذكر غيره أنها ثمانية، قال الشيخ بكر أبو زيد: «أول من ذكرها ابن حزم في نقط العروس». حلية طالب العلم: (80)؛ وفي نقط العروس (٢/ ١٨٦): «وهي إما: شيء لم يسبق إليه يخترعه، أو شيء ناقص يتمه، أو شيء مستغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مؤلفه يصلحه».
(5) مقدمة ابن خلدون: (3/ 1105).
(6) اقترحت هذا الموضوع فسجلته الباحثة منال العتيبي في مرحلة الدكتوراه في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية.
(7) رسالة ماجستير لمجمول بنت أحمد بن حميد الجدعاني في جامعة أم القرى.
(8) هناك عبارات مقاربة لمعنى الاستدراك مثل: النقد، والتنكيت، والزيادات، والتنقيح، والتصحيح، وغيرها، انظر للاستزادة: الاستدراك الفقهي للجدعاني: (47).